بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
قلب كلّ مؤمن يحوي ذرّة من تراب كربلاء، فترى روحه تحنّ لأرضها، بل إنّ النار تلفظ بدًنا علق عليه غبارها، فهل هي علاقة ابتدعها المحبون ومشى عليها الآخرون؟!.
ومن ثمّ، جميعنا سمع –أو قرأ- حديث أمّ سلمة، والقارورة التي حوتْ تراب كربلاء فتحوّلتْ في العاشر إلى دمٍ عبيط. فهل هي رواية واحدة في هذا الجانب؟، أم كان هناك أكثر من قبضة أُخذ بها تراب كربلاء؟!.
هذا ما سنحاول البحث عنه عبر ذكر الروايات المختلفة في هذا الباب.
مأتم السنة الأولى من الولادة. حديث تربة كربلاء (الأوّل) :
روى السيّد هاشم البحراني في (مدينة المعاجز)، عن شرحبيل بن أبي عون أنّه قال: لمّا وُلِدَ الحسين عليه السلام هبط مَلَكٌ من ملائكة الفردوس الأعلى، ونزل إلى البحر الأعظم ونادى في أقطار السماوات والأرض: "يا عباد الله، ألبسوا ثياب الأحزان وأظهروا التفجِّع والأشجان، فإنّ فرخ محمد صلى الله عليه وآله مذبوح مظلوم مقهور".
ثمّ جاء ذلك المَلَكُ إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال: "يا محمد حبيب الله، يُقتل على هذه الأرض قوم من بنيك، تقتلهم فرقة باغية من أمّتك، ظالمة متعدية فاسقة، يقتلون فرخك الحسين ابن ابنتك الطاهرة، يُقْتَلون بأرضِ كربلاء، وهذه تربته"، ثمّ ناوله قبضة من أرض كربلاء، وقال له: "يا محمد، احفظ هذه التربة عندك حتّى تراها وقد تغيَّرتْ واحمرَّتْ وصارتْ كالدم، فاعلم أنّ ولدك الحسين عليه السلام قد قُتل".
ثمّ إنّ ذلك المَلَكُ حمل من تربة الحسين عليه السلام على بعض أجنحته وصعد إلى السماء، فلم يبق مَلَكٌ في السماء إلا وشمَّ تربة الحسين عليه السلام وتبرَّك بها.
قال: فلمّا أخذ النبي صلى الله عليه وآله تربة الحسين عليه السلام، جعل يشمُّها ويبكي، وهو يقول: "قتل الله قاتلك يا حسين، وأصلاه في نار جهنم. اللهم لا تبارك في قاتله، وأصله حرّ نار جهنم وبئس المصير"، ثمّ دفع تلك القبضة من تربة الحسين عليه السلام إلى زوجته أمّ سلمة، وأخبرها بقتل الحسين عليه السلام بطفِّ كربلاء، وقال لها: "يا أمّ سلمة، خذي هذه التربة إليكِ وتعاهديها بعد وفاتي، فإذا رأيتيها قد تغيَّرتْ واحمرَّتْ وصارتْ دماً عبيطاً فاعلمي أنّ ولدي الحسين عليه السلام قد قُتل بطفِّ كربلاء".
فلمّا أتى على الحسين عليه السلام سنة كاملة من مولده هبط إلى رسول الله صلى الله عليه وآله اثنا عشر ألف مَلَكٍ على صور شتى، محمّرة وجوههم، باكية عيونهم، وقد نشروا أجنحتهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وهم يقولون: يا محمد، إنه سينزل بولدك الحسين مثل ما نزل بهابيل من قابيل.
قال: ولم يبق مَلَكٌ في السماء إلا ونزل على رسول الله صلى الله عليه وآله يُعزّيه بولده الحسين عليه السلام ويخبره بثواب ما يُعطى من الزلفى والأجر والثواب يوم القيامة، ويُخبرونه بما يُعطى من الأجر زائره والباكي عليه، والنبي مع ذلك يبكي ويقول: اللهم اخذل من خذله واقتل من قتله، ولا تُمتِّعه بما أمَّله من الدنيا، وأصله حرَّ نارك في الآخرة.
المصدر: (مدينة المعاجز ج3 ص439 _ المنتخب للطريحي ص62).
.
.
.
حديث تربة كربلاء (الثاني) :
روى الصدوق في (الأمالي)، عن أبيه رحمه الله بإسناده، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان النبي صلى الله عليه وآله في بيت أمّ سلمة رضي الله عنها، فقال لها: لا يدخل عليَّ أحد.
فجاء الحسين عليه السلام وهو طفل، فما ملكتْ معه شيئاً حتّى دخل على النبي صلى الله عليه وآله، فدخلتْ أمّ سلمة على أثره، فإذا الحسين على صدره، وإذا النبي صلى الله عليه وآله يبكي، وإذا في يده شيء يُقلِّبه، فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا أمّ سلمة، إنَّ هذا جبرئيل يخبرني أنّ هذا مقتول، وهذه التربة التي يُقتل عليها، فضعيها عندكِ، فإذا صارت دماً فقد قُتل حبيبي.
فقالت أمّ سلمة: يا رسول الله، سل الله أنْ يدفع ذلك عنه. قال: قد فعلت، فأوحى الله عزّ وجلّ إليَّ: أنّ له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين، وأنّ له شيعة يشفعون فيُشفعون، وأنّ المهدي من ولده، فطوبى لمن كان من أولياء الحسين، وشيعته والله الفائزون يوم القيامة.
المصدر: (أمالي الصدوق ص203 _ بحار الأنوار ج44 ص225 _ العوالم ص128).
.
.
.
حديث تربة كربلاء (الثالث) :
روى ابن قولويه في (كامل الزيارات)، عن أبيه رحمه الله بإسناده، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: إنّ جبرئيل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وآله والحسين عليه السلام يلعب بين يديه، فأخبره أنّ أُمّته ستقتله.
قال: فجزع رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: ألا أُريك التربة التي يُقتل فيها؟، قال: فخسف ما بين مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المكان الذي قُتل فيه الحسين عليه السلام حتّى التقت القطعتان [هكذا _وجمع بين السبّابتين_]* ، فأخذ منها ودُحيتْ الأرض في أسرع من طرفة عين، فخرج وهو يقول: "طوبى لكِ من تربة وطوبى لمن يُقْتَلُ حولكِ".
* ما بين المعقوفتين ورد في (الأمالي) دون (كامل الزيارات).
المصدر: (كامل الزيارات ص128 _ الأمالي للطوسي ص314 _ بشارة المصطفى ص332 _ بحار الأنوار ج44 ص235 – العوالم ص130).
.
.
.
حديث تربة كربلاء (الرابع) :
روى ابن قولويه في (كامل الزيارات) بإسناده، عن هشام بن سعد، قال: أخبرني المشيخة أنَّ المَلَك الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأخبره بقتل الحسين بن علي عليهما السلام كان ملك البحار، وذلك أنَّ ملكاً من ملائكة الفردوس نزل على البحر فنشر أجنحته عليها، ثمَّ صاح صيحة وقال:
"يا أهل البحار، البسوا أثواب الحزن؛ فإنَّ فرخ رسول الله صلى الله عليه وآله مذبوح".
[ثمَّ جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا حبيب الله، يَقتَتِلُ على هذه الأرض فرقتان من أمّتك، إحداهما ظالمة معتدية فاسقة، يقتلون فرخك الحسين ابن ابنتك بأرض كربٍ وبلاء، وهذه تربته يا محمد]*.
ثمَّ حمل من تربته في أجنحته إلى السماوات، فلم يبق ملك فيها إلا شمَّها وصار عنده لها أثرٌ ولعن قتلته وأشياعهم وأتباعهم.
[ثمَّ أخذ النبي صلى الله عليه وآله تلك القبضة التي أتاه بها الملك، فجعل يشمّها وهو يبكي ويقول في بكائه: اللهم لا تُبارك في قاتل ولدي وأصله نار جهنّم. ثمَّ دفع القبضة إلى أمّ سلمة وأخبرها بقتل الحسين بشاطىء الفرات وقال: يا أمّ سلمة، خذي هذه التربة إليكِ فإنها إذا تغيَّرتْ واستحالتْ دماً عبيطاً سيُقتل ولدي الحسين. الخبر]**.
* مابين المعقوفتين جاء في كتاب الفتوح دون بقية المصادر.
** ما بين المعقوفتين جاء في كتاب الفتوح دون بقية المصادر.
المصدر: (كامل الزيارات ص143 _ بحار الأنوار ج45 ص221 – العوالم ص503 _ كتاب الفتوح ج4 ص324: باختلاف).
.
.
.
حديث تربة كربلاء (الخامس) :
روى السيّد ابن طاووس في (الملاحم والفتن)، قال: وذُكر بإسناده المتصل عن عبد الله بن نجي الكندي، عن أبيه، قال: كنّا مع علي بن أبي طالب عليه السلام، فرجعنا من صفّين، فلمّا حاذى نينوى نادى علي عليه السلام: "اصبر أبا عبد الله بشطّ الفرات" .
فالتفت إليه الحسين عليه السلام فقال: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟.
قال علي عليه السلام: دخلتُ على النبي صلّى الله عليه وآله وعيناه تدمعان، فقلتُ: ما بال عينيك تدمعان بأبي أنت وأمي؟.
فقال: قام من عندي جبرئيل قبيل ساعة فحدّثني أنّ الحسين يُقتل بشط الفرات، ثمّ فقال: هل لك أن أشمّك من تربته؟، قلتُ: نعم. فمدّ يده فقبض قبضة من ترابٍ ثمّ ناولنيها، فلم أملك عيني أن فاضتا، [واسم الأرض كربلاء]* .
* هذه الزيادة من مثير الأحزان دون الملاحم والفتن.
المصدر: (الملاحم والفتن ص237 _ مثير الأحزان ص9 _ بحار الأنوار ج44 ص247 _ العوالم ص117 _ البداية والنهاية ج8 ص217 _ تاريخ مدينة دمشق ج14 ص187 _ المعجم الكبير ج3 ص105).
.
.
.
حديث تربة كربلاء (السادس) :
روى المجلسي في (البحار)، قال: وجدتُ في بعض الكتب أنّه عليه السلام لمّا عزم على الخروج من المدينة أتته أمّ سلمة رضي الله عنها فقالت: يا بني، لا تحزني بخروجك إلى العراق؛ فإنّي سمعتُ جدَّك يقول: يُقتل ولدي الحسين بأرض العراق، في أرضٍ يُقال لها كربلا.
فقال لها: يا أمّاه، وأنا والله أعلم ذلك، وإنّي مقتول لا محالة، وليس لي من هذا بد، وإنّي والله لأعرف اليوم الذي أُقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أُدفن فيها، وإنّي أعرف من يُقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي، وإنْ أردتِ يا أمّاه أُريكِ حفرتي ومضجعي.
ثمّ أشار عليه السلام إلى جهة كربلا فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره وموقفه ومشهده، فعند ذلك بكتْ أمّ سلمة بكاءاً شديداً، وسلّمتْ أمره إلى الله.
فقال لها: يا أمّاه، قد شاء الله عزّ وجلّ أنْ يراني مقتولاً مذبوحاً، ظلماً وعدواناً، وقد شاء الله أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشرّدين، وأطفالي مذبوحين مظلومين، مأسورين مُقيّدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا معيناً.
قال المجلسي: وفي رواية أخرى قالتْ أمّ سلمة: وعندي تربة دفعها جدّك إليَّ في قارورة، فقال: والله إنّي مقتول كذلك، وإنْ لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضاً. ثمّ أخذ تربة فجعلها في قارورة وأعطاها إيّاها، وقال: اجعليها مع قارورة جدّي فإذا فاضتا دماً فاعلمي أنّي قد قُتلتُ.
المصدر: (بحار الأنوار ج44 ص331 _ العوالم ص181 _ ينابيع المودة ج3 ص60 إلى موضع: فبكتْ بكاءاً شديداً).
.
.
.
حديث تربة كربلاء (السابع)، رؤيا أمّ الفضل :
روى المفيد في (الإرشاد)، قال: وروى الأوزاعي، عن عبد الله بن شداد، عن أمّ الفضل بنت الحارث: أنها دخلتْ على رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله، رأيتُ حلمًا منكرًا.
قال: وما هو؟. قالت: إنّه شديد.
قال: وما هو؟. قالت: رأيتُ كأنّ قطعة من جسدك قطعتْ ووضعتْ في حجري!.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: خيرًا رأيتِ، تلد فاطمة غلامًا فيكون في حجركِ.
فولدت فاطمة الحسين عليه السلام، فقالت: وكان في حجري كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله، فدخلت به يومًا على النبي صلى الله عليه وآله فوضعته في حجره، ثمّ حانتْ مني التفاتة فإذا عينا رسول الله عليه وآله السلام تهراقان بالدموع، فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، ما لك؟!.
قال: "أتاني جبرئيل عليه السلام فأخبرني أنّ أمّتي ستقتل ابني هذا، وأتاني بتربة من تربته حمراء".
المصدر: (الإرشاد ج2 ص129 – دلائل الإمامة ص179 – إعلام الورى بأعلام الهدى ج1 ص326 – الفصول المهمة ج2 ص759).
.
.
.
حديث تربة كربلاء (الثامن) :
روى الطوسي في (الأمالي) بإسناده، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عبّاس، قال: بينا أنا راقد في منزلي إذ سمعتُ صراخاً عظيماً عالياً من بيت أمّ سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله، فخرجتُ يتوجه بي قائدي إلى منزلها، وأقبل أهل المدينة إليها، الرجال والنساء، فلمّا انتهيتُ إليها قُلتُ: يا أمّ المؤمنين، ما بالكِ تصرخين وتغوثين؟، فلم تجبني؟.
وأقبلتْ على النسوة الهاشميات وقالتْ: يا بنات عبد المطلب، اسعدنني وابكين معي، فقد والله قُتِلَ سيدكن وسيّد شباب أهل الجنّة، قد والله قُتِلَ سبط رسول الله وريحانته الحسين.
فقيل: يا أمّ المؤمنين، ومن أين علمتِ ذلك؟.
قالت: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام الساعة شعثاً مذعوراً، فسألته عن شأنه ذلك، فقال: قُتِلَ ابني الحسين وأهل بيته اليوم فدفنتهم، والساعة فرغتُ من دفنهم.
قالت: فقمتُ حتّى دخلتُ البيت وأنا لا أكاد أنْ أعقل، فنظرتُ فإذا بتربة الحسين التي أتى بها جبرئيل من كربلاء فقال: إذا صارتْ هذه التربة دماً فقد قُتِلَ ابنكِ، وأعطانيها النبي صلى الله عليه وآله فقال: اجعلي هذه التربة في زجاجة _أو قال: في قارورة_ ولتكن عندكِ، فإذا صارتْ دماً عبيطاً فقد قُتِلَ الحسين، فرأيتُ القارورة الآن وقد صارتْ دماً عبيطاً تفور.
قال: وأخذتْ أمّ سلمة من ذلك الدم فلطَّختْ به وجهها، وجعلتْ ذلك اليوم مأتماً ومناحة على الحسين عليه السلام، فجاءت الركبان بخبره، وأنه قُتِلَ في ذلك اليوم.
قال عمرو بن ثابت: إنّي دخلتُ على أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام منزله فسألته عن هذا الحديث، وذكرتُ له رواية سعيد بن جبير هذا الحديث عن عبد الله بن عبّاس، قال أبو جعفر عليه السلام: حدّثنيه عمر بن أبي سلمة عن أُمّه أمّ سلمة.
المصدر: (الأمالي للطوسي ص314 _ بحار الأنوار ج45 ص230 _ العوالم ص508 _ المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص213).
أقول: رواه ابن شهر آشوب في (المناقب) وقال في إسناد الخبر: أحمد في المسند عن أنس، والغزالي في كيمياء السعادة، وابن بطّة في كتابه الإبانة، من خمسة عشر طريقاً.
.
.
.
حديث تربة كربلاء (التاسع) :
روى السيّد هاشم البحراني في (مدينة المعاجز)، عن أمّ سلمة، قالت: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات يوم عندي، وقد حمى الوطيس، وقد دخل إلى بيتي، وفرشت له حصيرًا إذ انطرح متكئًا، فجاء الحسين فدخل وهو ملقى على ظهره.
فقال: هنا يا حسين. فوقع على صدره، وجعل يلاعبه وهو يسيح على بطنه.
قالت أم سلمة: فنظرت من شق الباب، وهو على صدره يلاعبه، فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله!، يوم صدر المصطفى ويوم وجه الثرى، إنّ هذا لعجب.
قالت: ثمّ غبت عنه ساعة، وعدتُ إلى الباب فرأيت النبي وهو مغموم، وقد غمض عينيه عنه، وفي وجهه نوع من العبوس، فقلت لاشك إنّ الحسين قد شط على النبي لصبوته، فدخلت عليه وفي يده شيء ينظر إليه وهو يبكي، فقلت: بأبي وأمي جعلت فداك يا رسول الله، مالي أراك باكيًا حزينًا؟، ما الخبر؟.
قال: إنّ جبرئيل نزل عليّ في هذه الساعة وأخبرني أنّ ولدي هذا سيُقتل. فقلت: وكيف وأين؟.
قال: بعد أبيه وأمه، في أرض تسمّى (كربلاء)، وإن اخترتِ أن أريك من ترابها قبضة. فغاب عني وجائني بهذه القبضة، وقال: هذا من تربته. قال: خذيها واحفظيها عندكِ في تلك الزجاجة، وانظري إليها، فإذا رأيتها قد صارت دمًا عبيطًا فاعلمي أنّ ولدي الحسين في تلك الساعة قد قُتل.
قالت أمّ سلمة: ففعلت ما أمرني، وعلقتها في جانب البيت، حتى قُبض النبي وجرى ما جرى، فلمّا خرج الحسين من المدينة إلى العراق أتيته لأودعه، فقال: يا أم سلمة، توصي في الزجاجة.
فبقيت أترقبها وأنظر فيها اليوم المرتين والثلاث، فلمّا كان يوم العاشر من المحرم قرب الزوال أخذتني سنة من النوم، فنمت هنيئة، فرأيت رسول الله في منامي، وإذا هو أشعث أغبر وعلى كريمته الغبار والتراب.
فقلت: بأبي وأمي، مالي أراك يا رسول الله مغبرًا أشعث، ماهذا الغبار والتراب الذي أراه على كريمتك ووجهك؟!.
فقال لي: يا أم سلمة، لم أزل هذه الليلة أحفر قبر ولدي الحسين وقبور أصاحابه، قُتلوا في كربلا. فانتبهتُ فزعة مرعوبة، وقمت فنظرت إلى القارورة، وإذا بها دمًا عبيطًا، فعلمت أنّ الحسين قد قُتل.
قالت: والله ما كذبني الوحي ولا كذبني رسول الله .
قالت: فجعلت أصيح: "وا ابناه، واقرة عيناه، واحبيباه، واحسيناه، واضيعتاه بعدك يا أبا عبد الله".
قالت: حتى اجتمع الناس عندي، فقالوا: ما الخبر؟. فأعلمتهم، فجعلوا ينادون: واسيداه، وامظلوماه، والله ما كذبت، فؤرّخ ذلك اليوم فكان يوم قتل الحسين .
قالت: فلمّا كان السحر، سمع أهل المدينة نوح الجن على الحسين ، وجاءت منهم جنية تقول:
ألا يا عين فانهملي بجهدي ... فمن يبكي على الشهداء بعدي
على رهط تقودهم المنايا ... إلى متكبـرٍ في الملك وغـدِ
فأجابتها جنية أخرى:
مسح النبي جبـينه ... وله بريق في الخدود
أبواه من أعلى قريش ... وجده خير الجدود
زحفوا عليه بالقنــا ... شرّ البرية والوفود
قتلوه ظلمًا ويلـهـم ... سكنوا به نار الخلود
فلمّا سمع أهل المدينة ذلك حثوا التراب على رؤوسهم، ونادوا: واحسيناه، وا ابن بنت نبياه. ومضوا إلى قبر رسول الله يعزونه بولده الحسين ، ثمّ إنهم أقاموا عزاه ثلاثة أيّام.
قالت أم سلمة: فلمّا كان الليل طار رقادي وكثر سهادي، وأنا متفكرة في أمر الحسين ، فبينما أنا كذلك وإذا بقائل يقول:
إنّ الرماح الواردين صدورها ... دون الحسين تقاتل التنزيلا
فكأنما بك يا ابن بنت محمد ٍ ... قتلوا جهارًا عامدين رسولا
المصدر: (مدينة المعاجز ج4 ص192).
فما كل هذه العناية بتلك التربة؟، وما سرّ هذا الشوق لهذه الأرض؟!
رزقنا الله وإياكم سكناها والفوز بلثم ثراها.